اخبارمؤتمرات

فِي نَدْوَةِ: «الأُمَّةُ وَالمَرْحَلَةُ الرَّاهِنَةُ… سُؤَالُ الخِيَارَاتِ الاسْتِرَاتِيجِيَّةِ»

كَلِمَةٌ رَسْمِيَّةٌ

فِي نَدْوَةِ: «الأُمَّةُ وَالمَرْحَلَةُ الرَّاهِنَةُ… سُؤَالُ الخِيَارَاتِ الاسْتِرَاتِيجِيَّةِ»

يُلْقِيهَا: م. إِسْمَاعِيلُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الأَشْقَر
عُضْوُ المَجْلِسِ التَّشْرِيعِيِّ الفِلَسْطِينِيِّ

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَصْحَابَ المَعَالِي الوُزَرَاءِ السَّابِقِينَ،
السَّادَةَ العُلَمَاءَ وَالأَكَادِيمِيِّينَ وَالبَاحِثِينَ،
الإِخْوَةَ وَالأَخَوَاتِ الحُضُورَ الكِرَامَ…

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ،

يُشَرِّفُنِي أَنْ أَقِفَ بَيْنَكُمْ اليَوْمَ فِي هَذَا اللِّقَاءِ الفِكْرِيِّ ـ السِّيَاسِيِّ الرَّفِيعِ، الَّذِي يَنْعَقِدُ فِي لَحْظَةٍ هِيَ مِنْ أَدَقِّ اللَّحَظَاتِ الَّتِي تَعِيشُهَا أُمَّتُنَا العَرَبِيَّةُ وَالإِسْلَامِيَّةُ مُنْذُ قَرْنٍ كَامِلٍ؛ لَحْظَةٍ يَتَبَدَّلُ فِيهَا وَجْهُ النِّظَامِ الدُّوَلِيِّ، وَتُعَادُ فِيهَا صِيَاغَةُ الخَرَائِطِ، وَبَيْنَمَا تُخْتَبَرُ الإِرَادَاتُ، وَتَنْكَشِفُ التَّحَالُفَاتُ، تَنْهَضُ قُوًى، وَتَتَرَاجَعُ أُخْرَى.

 

السَّيِّدَاتُ وَالسَّادَةُ

لَمْ تَعُدْ مَنْطِقَتُنَا اليَوْمَ جُزْءًا هَامِشِيًّا مِنْ حَرَكَةِ التَّارِيخِ، بَلْ أَصْبَحَتْ فِي قَلْبِ العَاصِفَةِ. وَفِي ظِلِّ هَذَا التَّحَوُّلِ، وَاجَهَتِ الأُمَّةُ جُمْلَةً مِنَ الخِيَارَاتِ الصَّعْبَةِ، وَتَبَدَّدَتْ كَثِيرٌ مِنَ اليَقِينِيَّاتِ الَّتِي سَيْطَرَتْ عَلَى التَّفْكِيرِ السِّيَاسِيِّ لِعُقُودٍ طَوِيلَةٍ.

وَقَدْ أَثْبَتَتِ التَّطَوُّرَاتُ الأَخِيرَةُ أَنَّ:

  • الاعْتِمَادَ عَلَى القُوَى الخَارِجِيَّةِ لِحِمَايَةِ الاسْتِقْرَارِ خِيَارٌ مَحْدُودُ الجَدْوَى.
  • وَمَشَارِيعَ «التَّسْوِيَةِ السَّهْلَةِ» لَمْ تُنْتِجْ اسْتِقْرَارًا وَلَا تَنْمِيَةً.
  • وَخِطَابَ «التَّطْبِيعِ مِنْ أَجْلِ الرِّفَاهِ» لَمْ يُحَقِّقْ لِلْأُمَّةِ أَمْنًا وَلَا مَكَانَةً.
  • فِيمَا فَشِلَتِ المُقَارَبَاتُ الأَمْنِيَّةُ الصِّرْفَةُ فِي مُوَاجَهَةِ أَزَمَاتِ الهُوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالوَعْيِ.

وَلِذَا يُصْبِحُ لِزَامًا عَلَيْنَا، نَحْنُ صُنَّاعَ الفِكْرِ وَالسِّيَاسَةِ، أَنْ نُعِيدَ النَّظَرَ فِي الخِيَارَاتِ الاسْتِرَاتِيجِيَّةِ الكُبْرَى لِلْأُمَّةِ، وَأَنْ نُؤَسِّسَ لِعَقْلٍ جَدِيدٍ قَادِرٍ عَلَى قِرَاءَةِ المُسْتَقْبَلِ لَا المَاضِي فَقَطْ.

 

الحُضُورُ الكِرَامُ

مِنْ قَلْبِ كُلِّ هَذِهِ التَّحَوُّلَاتِ تَقِفُ القُدْسُ، لَيْسَ بِاعْتِبَارِهَا قَضِيَّةً سِيَاسِيَّةً فَقَطْ، بَلْ بِاعْتِبَارِهَا مِعْيَارًا وَمَعْبَرًا وَمَنَارَةً.

فَالقُدْسُ هِيَ البُوصْلَةُ الَّتِي يَكْشِفُ اتِّجَاهُهَا مَوْقِفُ الشُّعُوبِ، وَصِدْقُ الأَنْظِمَةِ، وَطَبِيعَةُ التَّحَالُفَاتِ، وَعُمْقُ الشَّرْعِيَّةِ.
وَمَا لَمْ تَكُنِ القُدْسُ فِي صَدَارَةِ التَّفْكِيرِ الاسْتِرَاتِيجِيِّ لِلْأُمَّةِ، فَلَنْ يَسْتَقِيمَ أَيُّ مَشْرُوعٍ نَهْضَوِيٍّ، وَلَنْ تَكْتَمِلَ أَيَّةُ رُؤْيَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ «مِلَفًّا تَفَاوُضِيًّا»، بَلْ مَرْكَزَ الهُوِيَّةِ الجَامِعَةِ.

 

أَصْحَابَ المَعَالِي

إِنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ النُّخْبَةِ الرَّفِيعَةِ مِنَ الوُزَرَاءِ السَّابِقِينَ، إِلَى جَانِبِ أَهْلِ العِلْمِ وَالفِكْرِ، لَيْسَ اجْتِمَاعًا عَابِرًا، بَلْ هُوَ خُطْوَةٌ فِي طَرِيقِ صِنَاعَةِ العَقْلِ الجَمَاعِيِّ لِلْأُمَّةِ.

نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى فِكْرٍ سِيَاسِيٍّ جَدِيدٍ يَجْمَعُ بَيْنَ:

  • التَّجْرِبَةِ الحُكُومِيَّةِ،
  • وَالخِبْرَةِ الأَكَادِيمِيَّةِ،
  • وَوَعْيِ الشُّعُوبِ،
  • وَإِرَادَةِ التَّحَرُّرِ.

نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى مُقَارَبَةٍ تَسْتَنِدُ إِلَى الوَاقِعِيَّةِ دُونَ هَزِيمَةٍ، وَإِلَى المَبَادِئِ دُونَ جُمُودٍ.

 

أَيَّتُهَا السَّادَاتُ وَالسَّادَةُ

إِنَّ مَا يَجْرِي اليَوْمَ فِي فِلَسْطِينَ ـ مِنْ عُدْوَانٍ، وَحِصَارٍ، وَمَجَازِرَ ـ لَيْسَ حَدَثًا مَحَلِّيًّا، بَلْ هُوَ مِرْآةٌ لِحَقِيقَةِ الصِّرَاعِ الدُّوَلِيِّ.

وَقَدْ أَثْبَتَ شَعْبُنَا، رَغْمَ المَأْسَاةِ وَالدَّمَارِ، أَنَّ إِرَادَةَ المُقَاوَمَةِ أَقْوَى مِنْ أَدَوَاتِ الإِبَادَةِ، وَأَنَّ الشُّعُوبَ حِينَ تَتَمَسَّكُ بِحَقِّهَا تُرْبِكُ أَعْظَمَ الجُيُوشِ وَتُسْقِطُ أَخْطَرَ المَشَارِيعِ.

وَإِنَّنِي أُؤَكِّدُ مِنْ هَذَا المِنْبَرِ:

أَنَّ مُسْتَقْبَلَ المِنْطَقَةِ لَنْ يُكْتَبَ بَعِيدًا عَنْ إِرَادَةِ الشُّعُوبِ،
وَلَا فَوْقَ أَنْقَاضِ القُدْسِ،
وَلَا عَلَى حِسَابِ حَقِّ الفِلَسْطِينِيِّ فِي الحُرِّيَّةِ وَالكَرَامَةِ وَالسِّيَادَةِ.

 

خِتَامًا

إِنَّ سُؤَالَ «الخِيَارَاتِ الاسْتِرَاتِيجِيَّةِ لِلْأُمَّةِ» لَيْسَ تَرَفًا فِكْرِيًّا، بَلْ ضَرُورَةً وُجُودِيَّةً.

وَالأُمَّةُ اليَوْمَ أَمَامَ ثَلَاثَةِ مَسَارَاتٍ كُبْرَى:

  1. مَسَارُ التَّبَعِيَّةِ الَّذِي يُعِيدُ تَدْوِيرَ الهَزَائِمِ.
  2. مَسَارُ الانْتِظَارِ الَّذِي يُرَاهِنُ عَلَى الزَّمَنِ وَحْدَهُ دُونَ رُؤْيَةٍ.
  3. مَسَارُ النُّهُوضِ الَّذِي يَصْنَعُ مُسْتَقْبَلًا جَدِيدًا عَلَى أَسَاسِ الهُوِيَّةِ وَالعَدَالَةِ وَالشَّرَاكَةِ الحَضَارِيَّةِ.

وَإِنَّنِي عَلَى يَقِينٍ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ اللِّقَاءَاتِ الأَكَادِيمِيَّةِ ـ السِّيَاسِيَّةِ الرَّفِيعَةِ هِيَ بِدَايَةُ الطَّرِيقِ نَحْوَ مَسَارِ النُّهُوضِ.

أُجَدِّدُ شُكْرِي لِلْقَائِمِينَ عَلَى مُنْتَدَى الأَكَادِيمِيِّينَ الدُّوَلِيِّ لِقَضَايَا القُدْسِ، وَلِلْمَعَالِي الوُزَرَاءِ وَالبَاحِثِينَ وَالحُضُورِ الكِرَامِ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ اجْتِمَاعَنَا هَذَا خُطْوَةً مُبَارَكَةً نَحْوَ وَعْيٍ أَوْسَعَ، وَرُؤْيَةٍ أَعْمَقَ، وَخِيَارٍ اسْتِرَاتِيجِيٍّ يَصْنَعُ لِلْأُمَّةِ مَكَانَهَا الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ.

وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

أسفل النموذج

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى