اسرائيليات

أزمة هجرة عكسية تعرّي هشاشة المشروع الصهيوني

تشهد منظومة الاحتلال في هذه المرحلة واحدة من أكبر أزماتها الداخلية، إذ تتسارع موجة الهجرة العكسية من داخل (إسرائيل) نحو الخارج، في مشهد يعكس هشاشة هذا الكيان وتفككه من الداخل، رغم ما يحاول تسويقه من “قوة” و”استقرار”.

فالأرقام الصادرة عن مؤسسات الاحتلال نفسها تُظهر أن أكثر من 80 ألف إسرائيلي غادروا خلال عام واحد فقط، وأن السنوات بين 2020 و2024 شهدت خروجًا يفوق عدد العائدين بأكثر من 146 ألف شخص، وهو نزيف بشري يعترف قادة الاحتلال بأنه الأخطر منذ عقود.

وما يزيد من خطورة ذلك بالنسبة لهم أن الفئة الأكبر بين المغادرين هي فئة الشباب (20–39 عامًا)، أي أولئك الذين يقوم عليهم اقتصاد الكيان وجيشه ومؤسساته الأمنية.

ضرب للاقتصاد

ولا يقتصر الانهيار على الجانب الديموغرافي فحسب، بل يمتد ليضرب قلب اقتصاد الاحتلال، خاصة قطاع التكنولوجيا الذي طالما تباهى بأنه “العقل المتفوق” للدولة العبرية.

فقد غادر أكثر من 8300 موظف من شركات التكنولوجيا منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، وهو ما يهدد قدرة الاحتلال على المحافظة على مكانته التقنية والعسكرية التي يعتمد عليها في القمع والسيطرة على المنطقة.

هذا النزيف لم يأتِ من فراغ؛ فالمستوطنون باتوا يشعرون بأن الأرض التي جاؤوا إليها ليست الملاذ الآمن الذي وُعدوا به، بل ساحة توتر دائم، وحرب مستمرة، وصراعات سياسية داخلية لا تهدأ، إضافة إلى الغلاء الفاحش وأزمة السكن التي تخنق المجتمع الإسرائيلي.

البحث عن مهاجرين

أمام هذا الانحدار المتسارع، يسعى قادة الاحتلال لإعادة تعويم مشروعهم عبر محاولة استجلاب مهاجرين جدد من الخارج. فوزارة المالية أعلنت عن إعفاء كامل من ضريبة الدخل لعامي 2026 و2027 للمهاجرين الجدد والعائدين، ثم رفعها تدريجيًا في السنوات التالية، في محاولة يائسة لإغراء اليهود حول العالم بالقدوم إلى أرض ليست لهم.

ومع ذلك، ترافقت هذه الحوافز مع قوانين جديدة تشدد على الشفافية الضريبية وتلزم المهاجرين بالإفصاح عن أصولهم الخارجية اعتبارًا من 2026، ما يعكس تخبطًا حكوميًا وقلقًا من التهرب الضريبي في ظل انهيار الثقة بين السكان والمؤسسات.

وتحاول حكومة الاحتلال أيضًا التعاون مع شركات اقتصادية كبرى لتسهيل دمج المهاجرين الجدد في سوق العمل عبر برامج تدريب وتوظيف مباشر، في محاولة لإعطاء صورة أن الكيان قادر على استيعاب قوى بشرية جديدة.

بيئة مضطربة

لكن كل هذه الإجراءات تبقى محاولات إسعاف عاجلة لكيان يعاني من صدمة داخلية عميقة، سببها الأساسي الاحتلال نفسه، واستمرار عدوانه على الفلسطينيين، وتحول الحياة داخل الكيان إلى بيئة مضطربة وغير قابلة للاستقرار.

في المحصلة، ما يجري اليوم يكشف حقيقة ما حاول الاحتلال إخفاءه لعقود: أن هذا الكيان ليس “قوة صاعدة”، بل مشروع هش يتهالك من الداخل، وأن فلسطينيًا واحدًا صامدًا على أرضه أقوى من آلاف المستوطنين الذين يغادرون هاربين كل عام.

إن الهجرة العكسية، بكل تفاصيلها وأسبابها، ليست مجرد أزمة داخلية إسرائيلية، بل هي دليل جديد على أن الأرض لا تحتمل الغريب، وأن الحق باقٍ لأصحابه مهما طال الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى