
1. بقي إقليم أرض الصومال لأكثر من ثلاثين عاماً يبحث عن اعتراف بسيادته بعد معارك أهلية وقبلية خاضها من أجل الانفصال، ولم يعترف به أحدٌ، لكن اقترب منه أصحاب الأطماع في أراضيه المطلّة على واحدٍ من أهمّ المضائق البحرية الحيوية في العالم، وكان اقترابهم استثماراً خطيراً في مكان مفتوح يبحث عمّن يجرّه إليه ويكون قادراً على دفع ثمن الاستثمار الخطر فيه.
2. عندما وقعت إثيوبيا مع هذا الإقليم تفاهمات كثيرة مؤخراً ونالت حصّة في ميناء بربرة مقابل بحث الاعتراف السياسي بالإقليم فإنها لم تعترف بسيادته لخطورة هذه الخطوة وتداعياتها الكبيرة، بل أرادت الوصول إلى منفذ بحريّ تتنفّس منه بعد أن خسرت منافذ أرتريا والصومال الكبير، ولم تستطع إدارة علاقة مستقرة طويلة الأمد مع الجيران.
3. وعندما طمعت به تلك الدولة التي تثير القلاقل والشغب في كل مكان حُرّ يحاول أن يستعيد هويته ويتوحّد على فكرة جامعة فإن هذا الإقليم جعل من أرضه بسبب هذه الدولة محطة عصابات ومعبراً للمرتزقة والأسلحة غير الشرعية والتهريب للثروات والمعادن النفيسة، ونال سمعةً سيئة.
4. وحتى الدول الكبرى التي غضّت الطرف عنه ولم تعارض نزعاته الانفصالية تستغلّ هذا الإقليمَ أيضاً باستحواذها على أهم المواقع في ساحلها وعمقها لتنفيذ استراتيجياتها الإقليمية، وستكون أول من يضحي به حتى لا يفقد علاقاته مع دول المنطقة الكبيرة ومصالحه فيها.
5. وعندما اعترف الأوغادُ الزّرق بهذا الإقليم فإنهم لم يعترفوا في حقيقة الأمر باستقلاله وسيادته، فإن ذلك لم يكن حبّاً ولا دعماً لهذا الإقليم، وإنما طمعوا في استثمار أرضه لإطلاق استراتيجيتهم الاستباقية الجديدة التي تجعل كل المنطقة تحت التهديد وفي متناول الذراع الطويلة جوّياً وبحريّاً وبرّياً.
6. لقد أدخلت قيادة الإقليم نفسها في فوضى المنطقة وسيولتها، وحشرت نفسها في مربع الاستهداف المباشر، بعد أن كانت تتصرّف باستقلال نسبيّ، وتعتاش من التجاهل والتغافل؛ وارتبطت الآن بقوة في مشكلات المنطقة العويصة وتعقيداتها بعد أن ربطت نفسها بأكبر خطر في هذه المنطقة وأكبر عبء أمنيّ فيها، فجذبت كل أعداء هذا الحليف الأزرق البغيض، وسيأتون من كل مكان بحثاً عن فرائسهم السهلة في الإقليم.
7. لن يعود اعتراف هؤلاء الأوغاد بهذه الأرض الصومالية بخير على أهلها المعروفين بنشاطهم وعلمهم وبساطتهم الجميلة وذكائهم الفطريّ وتديّنهم القديم، ولقد أخطأت قيادة هذه الديار كثيراً بالتواصل مع هؤلاء الأوغاد واستقبال اعترافهم بالسعادة، وكأنّ العالم سيفتح لهم ذراعيه، ولم يدروا أن هذا الاعتراف سيكون بوابة للاستهداف الشامل الذي سيرهق هذا الإقليم الصغير الساكن، وسيرهق من فيه، وسيعرّضه للكثير من الأزمات والمواقف غير المحسوبة.
8. نعم، لقد تأخّرت دول المنطقة في علاج أمر هذه القضية، وتجاهلتْها، لأنها لم تكن من أولوياتهم، أو لضعفهم الشديد، أو قصور رؤيتهم، أو بطء مبادرتهم، ولكن الثابت الآن أن هذه الخطوة هي واحدة من أحمق الممارسات السياسية وأكبرها جرماً وعدواناً على كل أحدٍ، وستفتح النار على هذه الأرض الصغيرة، لأنها الآن تحوّلت إلى تهديد إقليميّ يمسّ الجميع، لأنها سمحت لعدوّ الجميع أن يتسلل إلى هذه الخاصرة الحسّاسة دون إذن.
9. الجميع غاضب الآن، ويشعرون أن هذا العدوّ الأزرق لا يكفّ عن العضّ وزرع الشوك المسموم: مصر والسعودية والسودان وتركيا والصومال الكبير… ومهما بلغت مستويات المهادنة والمسالمة فإن اللحظة الاستراتيجية إذا دنت فإن الأظافر الناعمة لا تلبث أن تتحوّل إلى مخالب وأنياب تستعدّ جميعها لمواجهة أنياب الخنازير البرية التي خرجت عن محميتها.
10. ولعل أسوأ ما في هذه الخطوة الحمقاء أنها جاء بعد موسم الدم الكبير الذي ارتكبه الأوغاد على مدار عامين أجمع العالَمُ فيهما على كراهيتهم وإدانة وحشيّتهم، بل ظهرت هذه الخطوة على أنها مكافأة لهؤلاء الأوغاد وترضية لهم، ولن تجد هذه الجرأة أيّ رضاً أو ترحيب أو قبول من سادة هذا الإقليم وقبائله وشيوخه الكبار.
د. أسامة الأشقر






