الوسيط الوسيط والوسيط الضامن

النائب د. مروان أبوراس – أبو عاصم
عضو المجلس التشريعي الفلسطيني
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}.
لا يخفى على أحد ما جرى من دمار صهيوني واسع على غزة، صاحبة الحق الشرعي في كسر حصارها، وتحرير أرضها، وتطهير مقدساتها، وحماية شعبها. هذا الحق الذي يعتبر من مسلمات العصر الماضي والحاضر، ويترسخ أمره إلى نهاية هذا الكون الذي يقرره الله سبحانه.
ومما هو معلوم وبيِّن أيضاً، أن غزة ومقاومتها تواجه عدواً مختلفاً في عداوته، مختلفاً في دعم الكون البشري له، مختلفاً في كونه محصناً ضد المحاسبة والمراقبة. يزود بالمال بلا حدود، وبالرجال الصناديد، وبالسلاح المبيد، وبترويج سرديته ودعم دولته، وتسخير المواقع والإعلام والسياسة وحقوق الإنسان لمظلوميته.
فأصبحت غزة التي تباد مدانة، وأصبحت غزة التي تجوع مجرمة. بلغ منها الوجع والحرمان وأنهار الدماء والدمار كل مبلغ. بحثت عن النصير فلم تجد إلا النزر اليسير، وبحثت عن المغيث فلم يأتها إلا فُتات الطعام. رمقت بعينيها الحزينتين فإذا بالمهرجانات المُسِفَّة، والاحتفالات والأفراح والليالي التي أصبح الحرام فيها مباحاً ولا حد للممنوعات في بعض بلاد المسلمين.
أصبحت غزة تبحث عن الوسيط الضامن، فوجدت الوسيط الوسيط، وما الفرق؟
يتلوى أطفالها من وجع الدمار، ويصرخون من ألم الجوع والحصار، وجاءت الجوقة الكبرى ليقودها الوسيط الكبير، صاحب الرأي السديد والعمر المديد والقول المفيد. واجتمع الناس وباركوا رأيه، ومدحوا فعله، وأثنوا على جهده وبذله.
واستبشر الشعب المغلوب على أمره، هل فعلاً ستنتهي المعاناة؟ وهل سيتوقف تغول وإجرام الوحوش البشرية، أكبر ظلمة هذا العصر وكل العصور؟ استبشر الشعب بحضور إخوة كرام نحبهم ويحبهم شعب غزة، لأنهم أصحاب مواقف رجولية، في وقت عزَّت فيه المواقف وغابت عنه الرجولة.
استبشر أهل غزة، هل ولى زمان الجوع وسنأكل؟ والعري وسنلبس؟ والدمار فسنبني؟ والجهل فسنتعلم؟ والمرض فسنعالج؟ وسننطلق إلى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه التي دمرت، وسنقيم فيها صلواتنا ونحفظ فيها كتاب ربنا. وهل سنعامل مثل تعامل جميع الشعوب، معابر مفتوحة وأصحاب الحاجات على سفر وعودة؟
وهنا تأتي المفاجأة؛ القصف مستمر، والدمار متواصل، والإغلاق للمعابر لم ينته، والخيام لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء. أغرقت مياه الأمطار فراش الأطفال الضعفاء رغم قلته، واقتلعت أوتاد الخيام، وأصبح أكثر الناس يفترشون الماء ويلتحفون الماء ويتدثرون بالبرد والصقيع. أحوال يعجز عن وصفها القلم، وتعجز عن نقلها الكاميرات، رغم أنها وَصَفَتْ ونَقَلَتْ، ولكن النزر اليسير فقط.
ويعود الأهل والأحبة في غزة إلى إخوانهم الضامنين، وإلى جوقة الحاضرين، وإلى مجتمع الحقوقيين والقانونيين، وإلى المؤسسات الدولية، وإلى أصحاب القرار، وإلى الإخوة أبناء الدين والعقيدة. وتُفاجأ غزة من جديد، بعد أن قامت بما عليها من متطلبات الالتزام، تُفاجأ بأنهم كانوا وسطاء ولم يكونوا ضامنين.
فعلى غزة أن تذهب هي وربها لتسأله من جديد الفرج، ولم تتوقف أصلاً عن سؤاله، ولتبدأ مرحلة جديدة من المناشدات والتذكير بالأخوَّة والعقيدة، أو بالجوار والعروبة، أو بالإنسانية وحقوقها. ولا زالت تنتظر غزة أن ينتقل الحال من الوسيط الوسيط إلى الوسيط الضامن.
أسأل الله تعالى أن يعجل له الفرج وأن يأتي سالماً غانماً يا رب العالمين.
النائب د. مروان أبوراس – أبو عاصم
عضو المجلس التشريعي الفلسطيني
19 ديســـــــــــــمبر 2025 م





