هل هناك تدافع محتمل قد يغيّر اتجاه السيناريوهات السلبية؟

م. إسماعيل الأشقر
الخلاصة السريعة
نعم، يوجد تدافع محتمل، لكنه:
- غير مضمون
- غير أخلاقي بالضرورة
- ويعمل غالبًا على تخفيف الكارثة لا إنهائها
أي: قد يغيّر الشكل لا الجوهر.
أولًا: ما المقصود بـ “التدافع” هنا؟
التدافع هو تلاقي ضغوط متزامنة من اتجاهات مختلفة:
- سياسية
- قانونية
- إعلامية
- ميدانية
- إقليمية
تُجبر صانع القرار (ترامب – إسرائيل – أطراف دولية) على:
- إعادة الحسابات
- أو تعديل التكتيك
- أو تقديم تنازلات لم تكن على الطاولة
ثانيًا: أهم مسارات التدافع المحتملة
التدافع الإنساني–الإعلامي (الأكثر احتمالًا)
كيف يحدث؟
- تصاعد صور:
- المجاعة
- الأطفال
- انهيار المستشفيات
- مع شلل الإغاثة أو موت جماعي “قابل للتجنّب”
أثره المحتمل:
- ضغط أمريكي على إسرائيل:
- فتح معابر
- تمديد هدنة
- السماح بعودة منظمات دولية
- ليس بدافع إنساني… بل:
- لمنع إحراج ترامب
- ومنع تحوّل غزة إلى “وصمة سياسية”
ما الذي يغيّره؟
✔️ يخفف السيناريو (1)
✔️ يضعف السيناريو (3)
❌ لا ينهي الاحتلال ولا يفرض حلًا سياسيًا
2️⃣ التدافع القانوني الدولي (أقل سرعة – أعمق أثرًا)
كيف يحدث؟
- تراكم:
- دعاوى في محاكم وطنية (الولاية القضائية العالمية)
- تقارير لجان تحقيق
- تحرّك منظمات قانونية مؤثرة
أثره المحتمل:
- يخلق كلفة قانونية وشخصية:
- على قادة إسرائيليين
- وعلى داعمين سياسيين
لماذا يهم ترامب؟
- ترامب يكره:
- القيود القانونية
- الملفات المفتوحة
- “الألغام القضائية”
➡️ قد يدفعه إلى:
- تهدئة أطول
- إعادة هندسة “اليوم التالي” بشكل أقل فوضوية
⚠️ لكنه مسار بطيء ولا يمنع كارثة آنية.
)3️⃣ التدافع الإقليمي (مرتبط بالخليج وإيران
كيف يحدث؟
- تهديد حقيقي بتوسّع الصراع:
- جنوب لبنان
- البحر الأحمر
- أو استهداف مصالح أمريكية
أثره:
- ترامب يتدخّل بقوة
- يضغط على نتنياهو:
- “أوقف النار”
- “خفّف غزة”
- “أنهِ الملف بأقل ضجيج”
✔️ هذا التدافع قادر على تغيير الاتجاه سريعًا
❌ لكنه قد ينتج تسوية أمنية قاسية على غزة
4️⃣ التدافع داخل إسرائيل نفسها (محدود لكنه مؤثر)
كيف يحدث؟
- ضغط داخلي:
- عسكري
- اقتصادي
- سياسي (انقسام، احتجاجات، انتخابات)
أثره:
- نتنياهو يصبح:
- أقل قدرة على المناورة
- أكثر احتياجًا لغطاء أمريكي
➡️ يفتح نافذة ضغط أمريكي أوسع
⚠️ لكنه تدافع غير مضمون التوقيت.
5️⃣ التدافع الشعبي العالمي (الأضعف سياسيًا حاليًا)
كيف يحدث؟
- احتجاجات عالمية
- مقاطعات
- ضغط أكاديمي وثقافي
أثره:
- طويل المدى
- تراكمي
- يُضعف شرعية السردية الإسرائيلية
❌ لا يغيّر سيناريوهات الأشهر القادمة بسرعة
✔️ لكنه مهم في المعركة الطويلة
ثالثًا: ما الذي يمكن أن يكسر الإطار العام فعلًا؟
بصراحة سياسية:
السيناريوهات السلبية لا تُكسر بنداء أخلاقي واحد،
بل بتقاطع ثلاثة ضغوط معًا في وقت واحد:
- فضيحة إنسانية كبرى موثقة
- كلفة قانونية حقيقية أو تهديد بها
- خطر توسّع إقليمي يهدد مصالح واشنطن
عندها فقط:
- قد يغيّر ترامب المسار
- وقد يُفرض على إسرائيل:
- فتح حقيقي
- تهدئة طويلة
- أو ترتيب أقل قسوة
رغم سوداوية السيناريوهات المرجّحة، فإن تدافعًا محتملًا من ضغوط إنسانية، قانونية، وإقليمية متزامنة قد يفرض تعديلات تكتيكية على السياسة الأمريكية–الإسرائيلية تجاه غزة.
غير أن هذا التدافع، في أفضل أحواله، يُخفّف حدّة الكارثة ولا يغيّر بنيتها، ما دام الاحتلال قائمًا والحل السياسي مؤجلًا.
6: فرص كسر المسار – التدافع والحدود
6.1 مفهوم التدافع السياسي
يقصد بالتدافع في هذا السياق تلاقي ضغوط متعددة ومتزامنة (إنسانية، قانونية، إقليمية، وإعلامية) على صانع القرار الأمريكي–الإسرائيلي، بما يؤدي إلى تعديل المسار التكتيكي للسياسات المتبعة، دون أن يصل بالضرورة إلى تغيير جذري في البنية السياسية للصراع.
التدافع لا يعمل منفردًا، ولا ينتج عن عامل واحد معزول، بل يتطلب تراكبًا زمانيًا يرفع كلفة الاستمرار في المسار السلبي إلى مستوى غير قابل للإدارة سياسيًا.
6.2 مسارات التدافع المحتملة
أ) التدافع الإنساني–الإعلامي
يتجسد هذا المسار في تصاعد التغطية الإعلامية الموثقة لانهيار الأوضاع الإنسانية، خصوصًا ما يتعلق بالمجاعة، وانهيار المنظومة الصحية، وارتفاع وفيات الأطفال والأمراض الوبائية.
أثره المحتمل:
- فرض ضغوط أمريكية ظرفية لفتح المعابر أو توسيع العمل الإنساني.
- تمديد التهدئة أو منع انهيارها الكامل.
حدوده:
- تأثيره تكتيكي ومؤقت.
- لا يؤدي بذاته إلى تغيير سياسي بنيوي أو إنهاء السيطرة الأمنية.
ب) التدافع القانوني الدولي
ينشأ هذا المسار من خلال تراكم الإجراءات القضائية، والتقارير القانونية، والدعاوى القائمة على الولاية القضائية العالمية، وما يترتب عليها من مخاطر قانونية شخصية وسياسية.
أثره المحتمل:
- رفع الكلفة القانونية والدبلوماسية على صناع القرار.
- دفع الولايات المتحدة إلى السعي لاحتواء الملف عبر تهدئة أطول أو إعادة هندسة “اليوم التالي”.
حدوده:
- مسار بطيء الأثر.
- غير قادر على منع كارثة إنسانية آنية دون توازيه مع ضغوط أخرى.
ج) التدافع الإقليمي
يرتبط هذا المسار باحتمالات توسّع الصراع إقليميًا، بما يهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، أو يفتح جبهات جديدة غير مرغوبة سياسيًا.
أثره المحتمل:
- ضغط أمريكي مباشر وقوي على الحكومة الإسرائيلية لخفض التصعيد.
- فرض ترتيبات تهدئة طويلة نسبيًا.
حدوده:
- قد ينتج تسوية أمنية قاسية على غزة.
- يركّز على الاستقرار لا على العدالة أو الحقوق.
د) التدافع الداخلي الإسرائيلي
ينبع من الانقسامات السياسية، والضغوط الاقتصادية، والتوترات داخل المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل.
أثره المحتمل:
- تقليص هامش المناورة لدى القيادة الإسرائيلية.
- فتح نافذة ضغط أمريكي أوسع.
حدوده:
- غير مضمون التوقيت أو الاتجاه.
- قد يقود إلى مزيد من التشدد بدل التراجع.
6.3 حدود التدافع وإمكاناته الواقعية
على الرغم من وجود فرص حقيقية لتعديل بعض ملامح المسار الحالي، إلا أن التدافع المحتمل يبقى محكومًا بسقف سياسي واضح يتمثل في:
- التزام أمريكي استراتيجي بأمن إسرائيل.
- غياب إرادة دولية لفرض حل سياسي عادل.
- تفضيل إدارة الصراع على معالجته جذريًا.
وبناءً عليه، فإن أقصى ما يمكن أن يحققه التدافع في المدى القصير هو:
- تخفيف حدّة الكارثة الإنسانية.
- إطالة أمد التهدئة.
- تحسين نسبي في بيئة العمل الإنساني.
دون أن يصل إلى:
- إنهاء الاحتلال.
- ضمان سيادة فلسطينية حقيقية.
- محاسبة فورية وفعالة على الجرائم
- المرتكبة.
6.4 خلاصة
يمثل التدافع السياسي فرصة واقعية لتعديل المسار التكتيكي للأزمة في غزة، لكنه لا يشكل، في الظروف الحالية، مسارًا كافيًا لكسر بنيتها السياسية العميقة.
إن أي تحسن محتمل سيظل هشًا ومشروطًا، ما لم يترافق مع تحوّل جذري في موازين القوة والإرادة الدولية.
سابعًا: التوصيات – كيف يمكن تعظيم فرص كسر المسار؟
7.1 توصيات للفاعلين الحقوقيين والقانونيين
الهدف: رفع الكلفة القانونية والسياسية للاستمرار في المسار الحالي.
- توحيد الملفات القانونية لا تشتيتها
- دمج قضايا الأطفال، التجويع، تدمير البنية الصحية، ومنع الإغاثة في ملف واحد مترابط بدل قضايا مجزأة.
- التركيز على الجرائم “المستمرة” لا الأحداث المنتهية، لربط المسؤولية باللحظة الراهنة.
- تفعيل الولاية القضائية العالمية بشكل انتقائي
- اختيار دول ذات قضاء نشط واستقلال نسبي.
- استهداف مسؤولين محددين (سياسيين/عسكريين) بأسماء ووظائف واضحة.
- الربط المباشر بين السياسات والنتائج الإنسانية
- كل قيد على المعابر = أثر صحي/غذائي موثق.
- كل قرار إداري ضد المنظمات = وفيات يمكن تجنبها.
- إعداد “مذكرات خطر قانوني” موجهة لصناع القرار
- لا تُنشر للإعلام، بل تُسلّم للوسطاء والدبلوماسيين لتوضيح الكلفة المستقبلية.
7.2 توصيات للإعلام والفاعلين في المجال العام
الهدف: خلق ضغط نوعي يُحرج صانع القرار ولا يُستنزف سريعًا.
- الانتقال من التغطية العاطفية إلى السردية السببية
- ليس “مأساة إنسانية” فقط، بل:
قرار سياسي محدد → أثر إنساني محدد → مسؤول محدد.
- تثبيت قضية واحدة محورية كل 10–14 يومًا
- مثال:
- أسبوع المعابر
- أسبوع الأطفال الخدّج
- أسبوع شلل الإغاثة
- هذا يمنع تشتت التعاطف.
- مثال:
- استخدام لغة تُخاطب الداخل الأمريكي
- الضرائب الأمريكية
- صورة الولايات المتحدة
- مخاطر التواطؤ القانوني
- لا الاكتفاء بلغة الإدانة الأخلاقية.
- بناء أرشيف بصري–رقمي قانوني
- صور/فيديوهات مؤرخة، موقّعة، قابلة للاستخدام القضائي، لا للاستهلاك السريع فقط.
7.3 توصيات لصنّاع السياسات والوسطاء الدوليين
الهدف: تحويل التدافع إلى مكاسب ملموسة لا بيانات.
- فصل المسار الإنساني عن التفاوض الأمني
- الإغاثة ليست “حافزًا” ولا “مكافأة”.
- أي ربط بينهما يجب اعتباره خرقًا معلنًا.
- فرض معايير تشغيل إنساني مكتوبة وعلنية
- عدد الشاحنات
- زمن التفتيش
- نطاق الحركة داخل غزة
- آلية اعتراض مستقلة
- رفض صريح لإخراج المنظمات الدولية من العمل
- لأن ذلك يُحوّل الهدنة إلى غطاء لكارثة صامتة.
- إطار زمني مُلزم لأي مرحلة ثانية
- بدون جداول زمنية → تتحول “المرحلة الثانية” إلى وعد فارغ.
7.4 توصيات استراتيجية جامعة
لتحقيق أعلى أثر خلال الأشهر القادمة:
- لا تراهنوا على مسار واحد.
- التأثير الحقيقي ينتج عن تزامن:
- ضغط إعلامي نوعي
- مسار قانوني متماسك
- قنوات سياسية هادئة، ولكن حازمة
العمل المتوازي هو ما يصنع التدافع، لا الجهود المنفردة.
7.5 خلاصة التوصيات
في ظل غياب إرادة دولية لحل جذري، يصبح واجب الفاعلين هو تعظيم كلفة الاستمرار في المسار القائم، لا الاكتفاء بوصف مآسيه.
التدافع لا يُصنع بالخطاب، بل بتراكم ضغط محسوب، موجّه، ومتزامن.
م. إسماعيل الأشقر
18 ديسمبر 2025






