من «بلير» إلى «ويتكوف»: لماذا تغيّر الإمارات بوصلتها في ملف غزة وما بعد الحرب ؟؟

منذ “الطوفان”، لم تعد غزة مجرد ملف إنساني/أمني، بل أصبحت بوابة إعادة ترتيب الإقليم: من يملك “صيغة الحكم” يملك مفاتيح التمويل، الشرعية، الأمن، ومسار التطبيع. في هذا السياق يظهر تفضيل الإمارات لوجهٍ أمريكيٍّ قريب من مركز القرار (ويتكوف) على وسيطٍ/مقترحٍ مُستهلك سياسياً (بلير) كتحوّلٍ دالّ—ليس في الأسماء فقط، بل في المنهج.
أولاً: لماذا يرتبط التحوّل مباشرةً بـ«الحكم بعد الحرب» في غزة؟
1) لأن مرحلة “ما بعد النار” هي المعركة الحقيقية
المرحلة الثانية/التالية من أي تفاهمات حول غزة تُطرح فيها عادةً عناصر: انسحاب/إعادة تموضع، سلطة انتقالية، قوة/آلية تثبيت دولية، وإعادة إعمار مشروطة. وفي هذا المفصل تحديداً، يصبح الفاعل الأهم هو من يستطيع “تسليم الضمانات” لا من يقدم الأفكار. لقاءات ويتكوف مع أطراف الوساطة الإقليمية (قطر/مصر/تركيا) حول “المرحلة التالية” تشير إلى أن واشنطن تُمسك بملف الانتقال من الهدنة إلى هندسة الحكم.
2) لأن “السلطة الانتقالية” ليست تقنية… بل سياسية سيادية
الكلام عن “لجنة تكنوقراط” أو “هيئة انتقالية” يُترجم على الأرض إلى أسئلة صلبة:
• من يملك الأمن المحلي؟
• من يتحكم بالمعابر والجباية؟
• من يوقّع التمويل؟
• من يحدد علاقة غزة بالضفة وبالسلطة الفلسطينية؟
هذه ليست تفاصيل إدارة—إنها سيادة مقنّعة. ولهذا فإن الإمارات تحتاج وسيطاً يضمن قبول واشنطن وتل أبيب بالصيغة، لا مجرد “تصميم” نظري لها.
3) لأن بلير أصبح “عنواناً خلافياً” على شرعية الحكم
جزء معتبر من الانتقادات التي طالت فكرة دور بلير (أو أي “هيئة دولية” تُدار بوجوه غير فلسطينية) أنها تُقصي الفلسطينيين وتُنتج حكماً مفروضاً، بما يضعف قابلية الخطة للحياة ويُفجّرها شعبياً. هذا ما ظهر في نقاشات صحفية عن خطط تُنسب لبلير أو يُطرح فيها اسمه كواجهة.
الإمارات—بوصفها لاعباً حساساً تجاه “الكلفة السمعة/الشارع”—تميل إلى تقليل رمزية الوجوه المستفزة، والذهاب إلى “مُنجز صفقة” بأقل ضجيج.
ثانياً: لماذا “ويتكوف” تحديداً؟ (المعنى الحقيقي للاسم)
1) لأنه قناة قرار أمريكية أسرع
الاسم هنا ليس شخصاً فقط؛ هو اختصار لطريقة اشتغال: قرار سريع، تفاوض مركّز، حزم مصالح، وربط ملفات (الأسرى/الانسحاب/القوة الدولية/الإعمار). هذا يتسق مع تقارير عن دور ويتكوف في إدارة محادثات غزة واستضافة/تنسيق لقاءات مع أطراف إقليمية.
2) لأن واشنطن تُسعّدِن ملف الإعمار: “20% أمريكية” كإشارة هيمنة
تسريبات/تقارير صحفية تتحدث عن أن الولايات المتحدة قد تتحمل جزءاً (مثل 20%) من إعادة إعمار غزة ضمن ترتيبات تُبحث مع قطر والإمارات—وهذه ليست “مساعدة” فقط، بل أداة تحكم: من يدفع يفرض الشروط والإطار.
إن صحّت هذه الصيغة أو اقتربت، فوجود وسيط أمريكي قريب من دوائر القرار يصبح ضرورياً لأي طرف يريد أن يكون شريكاً رئيسياً في “صندوق ما بعد الحرب”.
3) لأن مرحلة ما بعد الحرب تُدار بمنطق “الضمانات” لا “الخطابات”
بلير يمثل مدرسة: مبادرات، مؤتمرات، عناوين دولية.
). ويتكوف يمثل مدرسة: ضمانات تنفيذ (انسحاب/رقابة/تمويل/آلية إدارة
ومع تعقّد ملف “من يحكم غزة” وارتباطه بأمن إسرائيل ومعابر مصر وتوازنات قطر/تركيا، تتجه الإمارات للاعب يملك مفاتيح “التثبيت”.
ثالثاً: التحوّل ضمن إعادة هندسة الإقليم بعد الطوفان
1) “غزة” لم تعد ساحة… بل مفصل إعادة توزيع الأدوار
بعد الطوفان، أصبح هناك سباق على:
• من يدير “بوابة غزة” السياسية؟
• من يحتكر قناة واشنطن؟
• من يحوّل الإعمار إلى نفوذ طويل المدى؟
في هذا السباق، تتحول الوساطة من “حلّ نزاع” إلى ترتيب إقليم.
2) الإمارات تبحث عن مكاسب ثلاثة في حزمة واحدة
1. استقرار أمني يمنع تكرار الانفجار
2. دور في الإعمار يترجم إلى نفوذ وشراكات ومكانة
3. مسار سياسي/تطبيع مشروط يضمن الحماية الأمريكية ويمنع خسارة السمعة
وهذه الحزمة تحتاج “مفتاح واشنطن” أكثر مما تحتاج “رمزية لندن”.
3) توازنات الوسطاء: تقاطع لا تطابق
وجود تركيا وقطر ومصر كأطراف محورية في محادثات غزة يفرض على الإمارات اختيار أداة قادرة على إدارة التناقضات لا فقط مخاطبة طرف واحد. تقارير عن اجتماعات ويتكوف مع مسؤولين من قطر ومصر وتركيا حول غزة تضعه في قلب هذه الشبكة.
رابعاً: ماذا يعني ذلك عملياً في “هندسة الحكم”؟
أقرب صيغة واقعية—بحسب منطق القوى—تميل إلى:
• ) سلطة/لجنة انتقالية فلسطينية “مُفلترة دولياً” (تكنوقراط/شخصيات مقبولة أمنياً
• إطار رقابة وتمويل بيد واشنطن وشركاء عرب (ومنهم الإمارات وقطر)
• قوة/آلية تثبيت تمنع عودة القتال وتضبط السلاح/المعابر
• فصل إداري مؤقت يخلق توتراً مع ملف الضفة والسلطة الفلسطينية
وهنا مكمن الخطر: أن تتحول “المرحلة الانتقالية” إلى نظام دائم بلا سيادة.
خامساً: المخاطر والحدود
1. شرعية محلية هشة: أي صيغة تُشبه الحكم المفروض ستواجه رفضاً/تفجيراً.
2. تأبيد الانقسام الفلسطيني: إدارة غزة بمعزل عن الضفة قد تُرسّخ واقع فصل سياسي.
3. ابتزاز الإعمار: التمويل المشروط قد يُستخدم لإعادة تشكيل المجتمع والقرار.
4. صراع وسطاء: قطر/تركيا/مصر/الإمارات—توافقهم مرحلي، وتنافسهم طويل.
توصيات مختصرة قابلة للاقتباس
• لا حكم بعد الحرب بلا شرعية فلسطينية واضحة وتمثيل حقيقي، وإلا أصبح الحكم “قوة احتلال بواجهة جديدة”.
• يجب فصل “الإغاثة العاجلة” عن “الإعمار السياسي المشروط” حتى لا يتحول الخبز إلى أداة إخضاع.
• أي لجنة انتقالية يجب أن تكون محددة المدة والصلاحيات، ومربوطة بمسار سياسي يضمن وحدة الأرض والقرار.
• على القوى الرافضة للصيغ المفروضة أن تُقدّم بديلًا تنفيذياً لا مجرد رفض: أسماء، آليات، ضمانات أمن مدني، وإطار رقابة فلسطيني.






