
من الفيتو إلى المحاكم… وكيف يتحول التوثيق إلى ضغط قانوني فعّال
أولًا: المقدمة – القانون الدولي في لحظة الامتحان
لم تكن غزة مجرد ساحة حرب، بل ساحة اختبار أخلاقي وقانوني للنظام الدولي. والسؤال الحقيقي لم يعد: هل يحمي القانون الدولي الضعفاء؟ بل: هل ما زال القانون قائمًا بوظيفته، أم انكشف كأداة بيد القوة؟
غزة لم تقتل القانون الدولي… بل كشفت بنيته المختلة.
ثانيًا: استخدام حق الفيتو – من آلية توازن إلى أداة قتل سياسي
1) الفيتو: الفكرة والواقع
نظريًا، صُمم الفيتو لمنع اندلاع حرب عالمية بين القوى الكبرى.
عمليًا، في حالة غزة، تحوّل إلى:
• أداة تعطيل ممنهج لأي حماية للمدنيين
• غطاء سياسي لاستمرار القتل
• إعلان صريح بأن حياة الفلسطيني أقل وزنًا في ميزان “الشرعية الدولية”
2) الفيتو كجريمة سياسية غير مُجرَّمة
حين يُستخدم الفيتو:
• لمنع وقف إطلاق النار
• أو لمنع إدخال المساعدات
• أو لمنع المساءلة
فهو لا يبقى إجراءً إجرائيًا، بل يتحول إلى مشاركة غير مباشرة في الجريمة، دون أي آلية مساءلة.
الفيتو في غزة لم يكن “امتناعًا عن الحل”، بل قرارًا باستمرار الجريمة.
ثالثًا: هل مات القانون الدولي أم انكشف؟
الإجابة الدقيقة: انكشف ولم يمت.
لماذا لم يمت؟
لأن:
• نصوص القانون ما زالت قائمة
• اتفاقيات جنيف لم تُلغَ
• المحاكم الدولية لم تُغلق
لماذا انكشف؟
لأن:
• تطبيق القانون انتقائي
• ) المحاسبة طبقية ( قوي/ضعيف
• العدالة مؤجلة حين يكون الجاني حليفًا
وهذا الانكشاف أخطر من الموت، لأنه:
• يجرّد القانون من هيبته
• ويدفع الشعوب إلى فقدان الثقة بمنظومة “الشرعية الدولية”
رابعًا: محكمة العدل الدولية – عدالة حقيقية أم مسرح رمزي؟
1) ما الذي تستطيع المحكمة فعله؟
• إصدار تدابير مؤقتة
• تثبيت توصيف قانوني خطير (خطر الإبادة، انتهاك جسيم)
• خلق سجل قانوني رسمي لا يمكن شطبه
2) ما الذي لا تستطيع فعله؟
• لا تملك قوة تنفيذ
• لا توقف الحرب بقرار مباشر
• تعتمد على التزام الدول (وهو ضعيف)
3) إذن… هل هي مسرح؟
ليست مسرحًا، لكنها ليست محكمة حسم فوري.
وظيفتها الحقيقية هي:
• تحويل الجريمة من “رواية إعلامية” إلى حقيقة قانونية مسجلة
• نقل الاحتلال من موقع الدفاع السياسي إلى موقع الدفاع القانوني
محكمة العدل لا توقف القتل فورًا، لكنها تمنع تبرئته تاريخيًا.
خامسًا: من التوثيق إلى الضغط القانوني – كيف يتحول العمل الذي تقوم به إلى قوة؟
وهنا نصل إلى جوهر .
1) الفرق بين التوثيق العاطفي والتوثيق القانوني
التوثيق العاطفي التوثيق القانوني
يحرّك المشاعر يحرّك الملفات
صالح للإعلام صالح للمحاكم
سريع التأثير بطيء لكنه تراكمي
يُنسى يُستدعى
2) كيف يصبح التوثيق ضغطًا قانونيًا فعّالًا؟
أ) بناء “ملف جريمة” لا “كتاب مأساة”
كل حالة يجب أن تتضمن:
• اسم الضحية (خصوصًا الأطفال)
• التاريخ والوقت
• المكان الدقيق
• نوع السلاح (إن أمكن)
• الجهة المسؤولة المحتملة
• الشهود / المصادر
• الصور أو الأدلة المساندة
ب) ربط الجريمة بالنص القانوني
ليس فقط ماذا حدث؟ بل:
• أي مادة من اتفاقيات جنيف انتهكت؟
• هل يدخل الفعل في توصيف:
o جريمة حرب؟
o جريمة ضد الإنسانية؟
o إبادة جماعية (عنصر النية، النمط، التكرار)؟
ج) تحويل الكتاب إلى “مستودع أدلة”
كتابنا لا يكون فقط للنشر، بل:
• مرجعًا للمحامين
• مادة للمنظمات الحقوقية
• مصدرًا للأمم المتحدة والباحثين
3) لماذا التركيز على الأطفال (براعم غزة) عبقري قانونيًا؟
لأن:
• قتل الأطفال لا يملك تبريرًا قانونيًا
• يضرب مباشرة في قلب ادعاء “الدفاع عن النفس”
• يُستخدم بقوة في إثبات:
o عدم التمييز
o التناسب
o النية الإجرامية
الأطفال هم أقوى شهود العصر حتى وهم شهداء.
سادسًا: توصيات استراتيجية ختامية
1. استمر في التوثيق كأنك تكتب لهيئة ادعاء لا لدار نشر
2. قسّم المواد إلى ملاحق قانونية قابلة للاقتطاع والاستخدام
3. اعمل على ترجمة قانونية دقيقة إنجليزي/فرنسي
4. تواصل مع محامين ومنظمات لتجريب قابلية استخدام المواد
5. لا تراهن على نصر فوري… راهن على إدانة دائمة
الخلاصة
القانون الدولي بعد غزة لم يمت، لكنه سقط قناعه. ومن يملك التوثيق اليوم، يملك القدرة على محاصرة الجريمة غدًا، ولو بعد حين.
العدالة قد تتأخر… لكنها تحتاج من يكتبها بدقة.