مخاطر التطبيع ودور البرلمانيين في حماية القضية الفلسطينية

مخاطر التطبيع ودور البرلمانيين في حماية القضية الفلسطينية
أولًا: مقدمة – التطبيع ليس اتفاقًا سياسيًا… بل معركة على الوعي والهوية
لم يعد التطبيع مجرّد علاقات دبلوماسية تعقدها بعض الأنظمة مع الاحتلال، بل تحوَّل إلى مشروع شامل لإعادة تشكيل الوعي العربي والإسلامي، وإعادة تعريف العدو والصديق، وتذويب مركزية فلسطين في وجدان الأمة.
إنه انتقال من “اعتراف سياسي” إلى هندسة اجتماعية وثقافية وإعلامية، تستهدف الأجيال الجديدة، وتحوّل الاحتلال من كيان إحلالي قائم على القتل والتهجير إلى “شريك اقتصادي” و”جار طبيعي”.
وتزداد خطورته اليوم في ظل محاولات فرض ديانة سياسية جديدة تحت عنوان الإبراهيمية، لتجاوز العقائد والحقوق وتاريخ الصراع.
في هذا السياق، تتعاظم مسؤولية البرلمانيين والهيئات التشريعية بوصفهم حصن الشعوب وصوتها الرقابي، لا سيما مع اتساع العدوان على غزة، وتزايد الجهود الصهيونية لاختراق المنطقة سياسيًا وأمنيًا وثقافيًا.
ثانيًا: مخاطر التطبيع على الأمن القومي والهوية والأجيال
- التفكيك المنهجي للوعي الجمعي
يستهدف التطبيع إنتاج إنسان بلا ذاكرة، يرى فلسطين قضية هامشية، ويعتبر الاحتلال جزءًا من المنطقة. أدوات ذلك:
- مناهج دراسية جديدة بلا فلسطين ولا مقاومة.
- إعلام يصنع “عدوًا بديلاً” غير العدو الصهيوني.
- روايات مشوهة للتاريخ بدءًا من وعد بلفور حتى الطوفان.
- اختراق البنية الأمنية والسيادية للدول
التطبيع يفتح الباب:
- لاتفاقات أمنية استخبارية تهدد سيادة الدول.
- لبرامج مراقبة وتكنولوجيا تجسس مصدرها الاحتلال.
- لبناء شبكات نفوذ اقتصادية–أمنية طويلة المدى.
وهذا أخطر من العلاقات السياسية الظاهرية.
- شرعنة الاحتلال دوليًا
كل اتفاق تطبيع يتحول –دعائيًا وقانونيًا– إلى:
- ورقة لإثبات أن الشعوب العربية “لم تعد تعتبر فلسطين قضية مركزية”.
- غطاء لاستمرار المجازر والاستيطان.
- أداة لتمرير مشروع تهجير غزة وتغيير هويتها.
4- تفكيك الجبهة الداخلية العربية والإسلامية
التطبيع يحوّل الشعوب إلى كُتل غير متجانسة: فئة ترى الاحتلال “عدوًا”، وأخرى تراه “شريكًا”.
وهذا التفكك يعمق هشاشة المنطقة ويمنع تشكّل موقف عربي موحّد.
- تهديد الأمن الثقافي والقيمي
من مخرجات التطبيع:
- ترويج نمط حياة يقطع الصلة بالقيم الإسلامية.
- تسويق الفنّ الصهيوني، برامج الترفيه المشتركة، وتحويل المقاومة إلى “تطرّف”.
- استبدال مفهوم الأخوّة الإسلامية والإجماع التاريخي حول القدس برؤية سياسية ضيقة.
- تحويل فلسطين إلى ملف اقتصادي
يسعى الاحتلال إلى:
- ربط اقتصادات المنطقة بمشاريعه، من الغاز والموانئ إلى شبكات النقل.
- تقديم “السلام الاقتصادي” بديلًا للحقوق السياسية.
- تحويل القضية إلى مشروع استثمار لا مشروع تحرر.
ثالثًا: دور البرلمانيين… الحصن الأخير لحماية فلسطين
في ظل ضعف الأنظمة الرسمية وتراجع الخطاب العربي الموحد، تتقدم البرلمانات بوصفها سلطة رقابة وتشريع وتمثيل شعبي. ويبدأ دورها من خمسة مسارات رئيسية:
- تشريع قوانين تُجرّم التطبيع
يشمل ذلك:
- حظر أي تعاون اقتصادي أو ثقافي أو أمني مع الاحتلال.
- منع مشاركة الشركات الصهيونية في المناقصات المحلية.
- حماية المناهج من محاولات التعديل التي تلغي فلسطين أو تشوّه المقاومة.
هذه القوانين تشكل سياجًا قانونيًا يحفظ الوعي العام ويمنع الاختراق السياسي والاجتماعي.
- الرقابة على الاتفاقات الحكومية
على البرلمانيين واجب:
- مراجعة أي اتفاقية ذات طابع أمني أو اقتصادي.
- مساءلة الحكومات التي تنخرط سرًا في التطبيع.
- الكشف عن شبكات النفوذ المرتبطة بالاحتلال.
- بناء لوبيات برلمانية داعمة لفلسطين
من خلال:
- تشكيل “تجمع برلماني لنصرة فلسطين”.
- التواصل مع البرلمانات العالمية لفضح جرائم الاحتلال.
- دعم مبادرات المقاطعة (BDS) داخل البرلمانات الأوروبية والآسيوية.
- حماية الوعي الوطني
وذلك عبر:
- خطابات دورية داخل البرلمان تؤكد مركزية القدس وفلسطين.
- حماية المناهج والهوية من الاختراق.
- مواجهة رواية الاحتلال في الإعلام.
- دعم المقاومة وحقوق الشعب الفلسطيني
وليس المقصود دعمًا عسكريًا، بل الدعم السياسي والقانوني عبر:
- رفض أي مشروع يستهدف نزع سلاح المقاومة.
- تثبيت حق الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة.
- اعتبار التطبيع التفافًا على الثوابت الوطنية والدينية.
- التواصل المباشر مع الشعوب
البرلمانيون ليسوا موظفين حكوميين؛ هم صوت الشعب، ومن واجبهم:
- عقد ندوات شعبية حول مخاطر التطبيع.
- نشر وعي سياسي مبني على التاريخ والواقع.
- دعم المبادرات الأهلية والجماهيرية المناهضة للتطبيع.
رابعًا: لماذا يشتد التطبيع اليوم؟ – قراءة إستراتيجية
بعد فشل العدوان العسكري على غزة في كسر المقاومة، يتجه الاحتلال وحلفاؤه إلى:
- التطبيع الأمني لإعادة تشكيل المنطقة.
- التطبيع الديني عبر مشروع الإبراهيمية لتجاوز العقائد.
- التطبيع الثقافي لخلق جيل لا يرى الاحتلال عدوًا.
أي إن التطبيع ليس خيارًا تكتيكيًا… بل خيار إستراتيجي صهيوني أمريكي لإعادة هندسة الشرق الأوسط.
خامسًا: توصيات عملية للبرلمانيين
- تمرير قانون شامل لمكافحة التطبيع
بنود واضحة تشمل التعليم، الإعلام، الاقتصاد، الأمن، والاتصالات.
- إنشاء مرصد برلماني لرصد الاختراق الصهيوني
يتابع:
- الشركات العاملة.
- المحتوى الإعلامي.
- المناهج المدرسية.
- بوابات الاستثمار.
- إطلاق أسبوع عالمي برلماني لفلسطين
تشارك فيه برلمانات متعددة:
جلسات، خطابات، قرارات، حملات مقاطعة.
- دعم لجان التحقيق الدولية في جرائم غزة
من خلال التنسيق البرلماني الدولي.
- منع محاولات التغلغل في الجامعات والبحث العلمي
باعتبارها أهم ساحات اختراق وعي الشباب.
سادسًا: خاتمة – التطبيع سقوط سياسي… ومقاومته واجب ديني ووطني
إن أخطر ما في التطبيع أنه يقتل فلسطين داخل ضمير الأمة قبل أن يقتلها على الأرض.
وإن أشرف ما في دور البرلمانيين أنهم قادرون –من مواقعهم الدستورية– على حماية الوعي، ومنع الانزلاق إلى تحالفات تخدم مشروعًا استعماريًا عمره أكثر من مئة عام.
إن حفظ فلسطين ليس مسؤولية المقاومة وحدها، بل مسؤولية ضمائر الشعوب وممثليها.
والبرلمانيون هم خط الدفاع التشريعي والأخلاقي الأخير…
فإذا صلُح موقفهم صلحت الأمة، وإذا انحرفوا فُتحت أبواب الانهيار.






