
هندسة الدين… وتفكيك المجتمع… وصناعة جيل بلا ذاكرة
عنوان ثلاثي الأبعاد وقوي جدًا
أمريكا وإعادة صناعة الوعي: حرب على الدين والمناهج والمجتمع
عنوان شامل وواضح، يلتقط جوهر المقال.
من الدبابة إلى “الديانة الإبراهيمية”:
الحرب الأمريكية الجديدة على دين الأمة ووعيها
بقلم: م. إسماعيل عبد اللطيف الأشقر
مقدمة
لم تعد الولايات المتحدة تتعامل مع منطقتنا باعتبارها مجرد ساحة موارد أو خطوط ملاحة. فبعد فشل مشاريع الحروب المباشرة في العراق وأفغانستان وغزة وغيرها، انتقلت واشنطن إلى مرحلة أخطر: هندسة الدين، وتفكيك المناهج، وإعادة تشكيل وعي المجتمعات بما يخدم المشروع الصهيوني طويل المدى.
المعركة اليوم لم تعد على حدود الجغرافيا، بل على حدود الوجدان والعقيدة، وعلى الذاكرة الإسلامية والعربية نفسها.
أولًا: من السيطرة العسكرية إلى التفكيك الهادئ للوعي
تدرك أمريكا أن الشعوب التي تُهزم عسكريًا قد تنهض من جديد، لكن الشعوب التي تُهزم في وعيها لا تقوم بسهولة. لذلك تتحرك اليوم ضمن مشروع متكامل يرتكز على:
- إنتاج دينٍ سياسيٍّ هجين.
- تغيير المناهج التعليمية وتنميط شخصية الطالب.
- تفريغ المجتمع من قيمه ومقاومته وحسّه التاريخي.
وهذه الأدوات الناعمة أخطر بكثير من الصواريخ والطائرات.
ثانيًا: “الديانة الإبراهيمية” … دينٌ جديد لخدمة التوسع الصهيوني
يُروج الأمريكيون والصهاينة لما يسمى بـ الديانة الإبراهيمية كصيغة “جامعة” للأديان، لكنها في جوهرها:
- مشروع يهودي–صهيوني يُعاد تسويقه أمريكيًا.
- محاولة لدمج المسجد والكنيسة والكنيس ضمن مظلة مرجعية واحدة تُصاغ في واشنطن وتل أبيب.
- تفريغٌ ممنهج لخصوصية العقيدة الإسلامية، ونسف مفهوم الولاء لله ورسوله والمؤمنين لصالح ولاءات سياسية واقتصادية مهيمنة.
وقد تبنّت أنظمة عربية هذا المشروع عبر بوابة التطبيع، لتصبح “الإبراهيمية” بوابة تذويب الهوية الدينية والأخلاقية.
ثالثًا: ترامب… حارس “اليهودية الجديدة” واستهداف الإخوان
مثّل ترامب نقطة تحوّل حادّة في مسار المشروع. كان هدفه الأول:
شيطنة الإخوان المسلمين عالميًا
لأنها أكبر حركة إسلامية حديثة:
- نشرت الفكر الإسلامي الوسطي،
- حافظت على مناهج التربية الإسلامية،
- تواجدت في المدارس والجامعات والمؤسسات الاجتماعية،
- وربطت الأجيال بقضية فلسطين والقدس والجهاد والكرامة.
وجود الإخوان كان يعني وجود حصن تربوي وفكري يصعب اختراقه. ولذلك كان استهدافهم تمهيدًا لإعادة هندسة الدين والمجتمع من جذوره.
رابعًا: حرب المناهج… من نابليون إلى البيت الأبيض
قال نابليون:
“الأمور التي لا يمكن حلّها، نحلّها بتغيير المناهج.”
واشنطن اليوم تُطبّق الفكرة بحذافيرها:
- حذف كل ما يتصل بالجهاد والمقاومة.
- تمييع مفاهيم الهوية الإسلامية.
- إدخال “قيم عالمية” بلا ضوابط: تسامح بلا حدود، قبول الآخر بلا سياق، مواطنة كونية…
- فصل الطالب عن قضيته ووطنه وتاريخه.
والنتيجة:
جيل لا يعرف فلسطين، ولا يدرك معنى الأقصى، ولا يرى بأسًا في التطبيع، ويعتبر المقاومة “إرهابًا” والاحتلال “واقعًا”.
خامسًا: بعد الفشل في إخضاع غزة… الانتقال إلى إفساد المجتمع
حين عجز الاحتلال ومن خلفه أمريكا عن كسر غزة عسكريًا، بدأ التوجّه إلى:
- نشر الرذيلة والإباحية بأشكال إلكترونية وثقافية.
- تفكيك الأسرة وتحطيم منظومة القيمة.
- إغراق الشباب في المال والشهوة والثقافة الاستهلاكية.
الهدف إنتاج:
- شعب غير مهزوم عسكريًا… لكن مهزومًا من الداخل.
- مقاتل يحمل السلاح… لكن المجتمع من حوله يُستدرج إلى التفاهة والانشغال واللذة.
وهذه أخطر معركة تواجه غزة والمنطقة.
سادسًا: مسؤولية الحركة الإسلامية… لحظة مراجعة تاريخية
لم يعد الوقت يسمح بخلافات داخلية أو حساسيات تنظيمية.
المطلوب مشروع جديد يقوم على:
- تجديد الوعي والعقيدة
خطاب يعيد توجيه الأمة دون المساس بثوابتها.
- إعادة بناء التربية والمناهج
لصناعة جيل يعرف لماذا يعيش… ولماذا يقاوم.
- عمل سياسي ناضج
يفهم خرائط القوى ويمنع الانجرار إلى صدامات عبثية.
القضية ليست تنظيمًا ضد تنظيم، بل مصير الإسلام والهوية في هذه المنطقة.
سابعًا: رسائل إلى الإخوان… وإلى النظام المصري… وإلى الأزهر
- إلى الإخوان المسلمين في مصر
لقد دفعتم أثمانًا باهظة، لكن دوركم في حفظ المناهج الوسطية وتربية الأجيال لا يزال محوريًا.
المرحلة الجديدة تتطلب:
- مراجعة رشيدة،
- مصالحة مع المجتمع،
- وتجديد المشروع بما يخدم الأمة.
- إلى النظام المصري
مصر هي ركيزة المنطقة.
سقوطها في فخ “الإبراهيمية” وتفكيك الهوية يعني سقوط المنطقة كلها.
القوة ليست في التضييق على التيارات الإسلامية، بل في دمجها في مشروع وطني يحمي هوية مصر ويصون أمنها القومي وفي قلبه… فلسطين.
- إلى الأزهر الشريف
الأزهر ضمير الأمة، وموضع أملها.
المعركة القادمة ليست سياسية، بل معرفية وتربوية.
عليه أن:
- يرفع صوته دفاعًا عن نقاء العقيدة،
- يواجه الدين الممسوخ،
- يحمي المناهج من التمييع،
- ويصون العقل الإسلامي من الغزو الناعم.
خاتمة: الحرب على العقول… أخطر من الحرب على الأرض
ما يُصاغ اليوم في مراكز القرار الأمريكية والصهيونية ليس مشروعًا عابرًا، بل خطة بعيدة المدى لإعادة تشكيل:
- الدين،
- والمناهج،
- والوعي،
- والمجتمع،
- والأجيال.
“الديانة الإبراهيمية” تمسخ العقيدة،
و“الإصلاح التربوي” يغتال المناهج،
و“الحرية الفردية” تُستخدم لإفساد المجتمع.
إذا بقيت الحركات الإسلامية منقسمة، والأنظمة مشتبكة، والعلماء صامتين…
سنستيقظ على أجيال لا تعرف الإسلام إلا اسمًا، ولا العروبة إلا رسمًا، ولا فلسطين إلا أنها “قضية منتهية”.
لذلك لا بد من:
- مشروع يحفظ الدين،
- ويحمي الهوية،
- ويُبقي فلسطين في قلب الأمة،
حتى لا نترك أبناءنا فريسة لهذا المخطط… جيلًا بعد جيل.




