مقالات

الحرب الناعمة على غزة: السلاح الأمريكي الجديد بعد أن فشلت الإبادة

الحرب الناعمة على غزة: السلاح الأمريكي الجديد بعد أن فشلت الإبادة
بعد عامين من الإبادة الجماعية التي شهدها القطاع، ورغم حجم الدمار الذي فاق ما أُلقي على هيروشيما وناغازاكي ثلاثة عشر مرة وفق تقديرات الخبراء، خرجت غزة من تحت الركام وهي أكثر صلابةً مما أراد لها أعداؤها، وأكثر رسوخًا في هويتها ومقاومتها. ومع فشل القتل الممنهج، والحصار الخانق، والضغط الدولي، انتقلت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى مرحلة جديدة أخطر من الحرب العسكرية نفسها: مرحلة الحرب الناعمة وإعادة تشكيل الإنسان الغزّي.
هذه الحرب لا تُشنّ بالصواريخ، ولا تُقاس بعدد الشهداء، بل تستهدف الروح والوعي والبنية القيمية للمجتمع الذي صمد أمام أكبر تحالف عسكري–سياسي في العصر الحديث.
أولًا: لماذا فشلت الحرب العسكرية وفُتحت أبواب الحرب الناعمة؟
كان الهدف الأول للاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة هو تفكيك بنية المقاومة، وإجبار غزة على رفع الراية البيضاء. لكن مع نهاية عامين كاملين من الإبادة، تبيّن للغرب أن:
• المقاومة لم تُهزم، بل ازدادت حضورًا وقوة.
• المجتمع الغزّي لم ينكسر رغم الجوع والبرد والقصف.
• الحاضنة الشعبية بقيت ثابتة.
• الرواية الإسرائيلية انهارت عالميًا.
• الدعم الشعبي الدولي لغزة تصاعد.
• اليمن وحزب الله وإيران خلقت معادلة ردع إقليمية. عند هذه اللحظة، أدركت الولايات المتحدة أنّ السلاح والتكنولوجيا والاستخبارات والقتل الجماعي لن تقتل الفكرة ولا الإيمان ولا الإرادة، فقررت نقل المواجهة إلى الداخل الإنساني والاجتماعي.
ثانيًا: ملامح المخطط الأمريكي لإعادة تشكيل المجتمع في غزة
1. الإعمار ذو الطابع الثقافي والسياسي الإعمار قد يُستخدم كحصان طروادة يُدخل:
• مراكز ثقافية أمريكية.
• مؤسسات مجتمع مدني بتمويل سياسي.
• مشاريع شبابية ظاهرها ترفيه وباطنها هندسة وعي. ليس الهدف فقط بناء البيوت… بل بناء إنسان جديد بنَفَس غربي.
2. نشر نمط حياة استهلاكي يفرّغ المجتمع من روحه المقاومة ستُغرق غزة بما يلي: • مولات ومقاهي وأسواق. • فرص عمل مغرية.
• برامج تنمية بشرية غربية.
• بيئة تجارية تُشغل الشباب عن الوعي السياسي. الرهان الأمريكي:ربط الغزّي بدائرة الرغبات والمصالح بدل دائرة المبادئ والقيم.
3. الرذيلة المنظمة: سلاح ثقافي جديد عبر بوابة المنظمات الدولية:
• برامج “التثقيف الجنسي”.
• نشاطات مختلطة.
• أساليب تفكيك الأسرة.
• تغريب مفاهيم الأخلاق والحياء. المجتمع الذي تحافظ فيه الأسرة على هويتها يُعتبر في نظر الغرب خطرًا يجب “إصلاحه”.
4. جوازات السفر الأمريكية والأوروبية هذه واحدة من أخطر الأدوات:
• تقديم جوازات سفر أو إقامات ذهبية للشباب.
• فتح باب الهجرة “الاختيارية”.
• منح تعليمية ووظائف في الخارج. ليس الهدف تهجير الناس… بل ربطهم وجدانيًا ومصلحيًا بالغرب حتى ولو بقوا داخل غزة. يريدون غزّيًا يحمل قضايا الغرب قبل أن يحمل قضيته.
5. إغراق الوعي بدعوات “الحياة” مقابل المقاومة سيُدفع خطاب إعلامي ضخم يقول:
• “العيش أولى من المقاومة”
• “غزة تحتاج إلى سلام لا سلاح”
• “كفى حروبًا… دعونا نعيش” إنه استهداف مباشر للمبدأ العقدي الذي بُني عليه جيل الطوفان: “الحياة بلا كرامة موتٌ مؤجّل.”
ثالثًا: لماذا يظن الغرب أن هذا السيناريو قد ينجح؟ من رؤية غربية بحتة:
• المجتمع ذاق الجوع والقصف والخذلان.
• العرب والمسلمون تركوا غزة وحيدة.
• الناس تبحث عن حياة كريمة بعد عامين من الجحيم. يعتقدون أن السيطرة على حلم الفرد أخطر من السيطرة على سلاح الجماعة. لكنهم يغفلون شيئًا جوهريًا: أن روح غزة ليست قابلة للبيع ولا للمساومة.
رابعًا: لماذا سيفشل هذا المخطط كما فشلت الإبادة؟
1. لأن غزة مجتمع مقاومة لا مجتمع رخاوة
• الأمهات ربّين أبناءهن على القرآن والشهادة.
• الأطفال فتحوا أعينهم على الطائرات والركام.
• الشباب كبروا على وعي الهوية لا وعي المتعة. لا يمكن شراء إنسان شاهد أهله يُقتلون أمامه بمتجر أو جواز سفر.
2. لأن المقاومة تملك وعيًا استراتيجيًا بالمخطط ولن تسمح بتفكيك المجتمع عبر:
• مراكز مشبوهة.
• أموال سياسية.
• برامج تغريب.
• أدوات اختراق. المعركة على الوعي هي مجال خبرة متراكمة لدى المقاومة منذ ثلاثة عقود.
3. لأن محور الدعم صمد ولم يتراجع اليمن، حزب الله، إيران، الشعب التركي، والشعوب الإسلامية—جميعهم شكّلوا مظلّة دعم معنوية وعسكرية وسياسية. وهذا الدعم لن يسمح بتحويل غزة إلى كيان منزوع الروح والسلاح.
4. لأن غزة خرجت من الحرب أكثر وعيًا وصلابة غزة التي صمدت أمام مخازن الناتو وأمريكا و733 يوم من النار لن تُهزم بالترفيه والرذيلة وجواز السفر.
غزة ليست مدينة… غزة قيمة. ليست مجتمعًا… غزة رسالة.
خلاصة المقالة
• بعد فشل الإبادة، انتقلت أمريكا إلى الحرب الناعمة.
• الهدف: إعادة تشكيل الإنسان الغزّي ليبتعد عن المقاومة.
• الأدوات: الإعمار الموجّه، الرذيلة، الاستهلاكية، الجوازات الغربية، ثقافة الحياة بلا كرامة.
• لكن غزة—مجتمعًا ومقاومةً وهويةً—أعمق من أن تُهزم بهذه الأساليب.
• لأنها الصخرة التي تحطمت عليها كل نظريات الحروب الحديثة.
• ولأن روح غزة ليست مجرد روح… بل إرث دماء وقرآن وطوفان.
الكاتب/م. اسماعيل عبد اللطيف الاشقر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى